دور الوقف في المجتمع المدني ومواجهة الكوارث
مقالاتالحضارة الإسلامية والإرث الاجتماعي بكل مقوّماتها ومكوّناتها الدينية والثقافية وغيرها تحتّم على الشعو...
Message was sent to our staff successfullly
منح الله المسلمين أبوابًا كثيرة ليتقرّبوا إليه من خلالها، وينالوا رضاه حبّه جل وعلى، ومن هذه الأبواب «العبادة والصدقة والتحلّي بالأخلاق» وغيرها من أبواب الخير.
ومن رحمة الله وكرمه بعباده المؤمنين أن جعل لهم أبوابًا للخير يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد وفاة المؤمن وإلى قيامة الساعة، ومن أجلّ وأعظم هذه الأبواب «الصدقة الجارية» لأنّها تخلق مجتمعا مسلمًا متكافلًا ومتماسكًا قويًا، ومؤهلًا لخدمة الأمّة وعمارة الأرض.
فما هي الصدقة الجارية؟
يأتي معناها لغةً: على أنها «متدفّقة» أو «جارية» أي أنها صدقة يقدمها المرء في الحياة ويستمر الانتفاع بها واستفادة الآخرون منها إلى يوم الحساب.
وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وهناك من يتساءل؛ إذا كنت لا أملك الكثير من المال، فهل هناك شرط لحجم الصدقة الجارية أو مقدارها؟
لا يُشترط مقدار معين للصدقة الجارية، لحديث النبي ﷺ: عن جابر بن عبد الله: قال ﷺ: من حفر ماءً لم يشرَبْ منه كَبِدٌ حَرَّى من جِنٍّ، ولا إنسٍ ولا طائرٍ، إلا آجَره اللهُ يومَ القيامةِ، ومن بنى مسجدًا كمِفْحَصِ قَطَاةٍ أو أصغرَ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ» رواه البخاري وابن ماجه.
وهذا يعني أنّ الأجر والثواب سيعود على صاحب الصدقة طالما استمرّ استخدامها، بغض النظر عن مقدارها.
وقد قال النبي ﷺ: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ» رواه البخاري
ويتبادر إلى الذهن سؤالًا آخر، إذا كانت الزكاة تشترط بلوغ النصاب ومرور الحول "أي العام" لإخراجها، فهل هذه الشروط تقع أيضًا على الصدقة الجارية؟
وهنا نقول أن: الصدقة الجارية ترتبط بقدرة المُتصدّق على الإنفاق في سبيل الله، ولا يُوجد وقت مُحدد لإنفاقها، وذلك عكس "الزكاة المفروضة".
ولكون الصدقة الجارية «يستمر تأثيرها على المدى الطويل دون انقطاع» فهي ترتبط بالاستمرارية والتأثير طويل الأمد، ولا ترتبط بموعد محدّد، فيُمكنك منح صدقتك الجارية في أي وقت طوال العام. وكلّما أنفقتها مبكرًا .. كلما انتفعت بالأجر والثواب بمرور الوقت.
وليس للصدقة بشكل عام، أو الصدقة الجارية بشكل خاص "أي قيمة مُحددة"، وما يُحدد قيمة الصدقة هي قدرتك على التصدّق وإنفاق المال، وليس لها شروط مثل الزكاة، وهنا تعرف أن الصدقة الجارية لديها مرونة عالية جدًا في إخراجها، وتتوقف قيمة الصدقة الجارية على قدرتك واستعدادك للإنفاق، والمقدار المطلوب لتأسيس أو شراء مستلزمات هذه الصدقة الجارية.
مثلا: إذا كنت ستخرج صدقة جارية لكفالة طالب علم، فالمقدار المطلوب هو مقدار ما يحتاجه طالب العلم في دراسته طوال العام، وهكذا على باقي أنواع الأوقاف أو الصدقات الجارية.
وقال الله تعالى: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (261) البقرة
هل يُعد «الوقف» صدقة جارية؟
تُصنّف الصدقة الجارية في الشريعة الإسلامية تحت ما يُسمى «الوقْف»، ويستشهد العلماء بحديث متبادل موثوق بين: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والنبي ﷺ، كمرجعية أولية لمعنى الوقف والصدقة الجارية على أنّها «عملٌ خيريٌ دائم التدفّق» «وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرَهُ فِيهَا، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، ولَا يُورَثُ، ولَا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وفِي الْقُرْبَى، وفِي الرِّقَابِ، وفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وابْنِ السَّبِيلِ، والضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ ولِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، ويُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ الًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بخاري ومسلم)."»
هل الصدقة الجارية واجبة؟
الصدقة غير واجبة على المسلم، ولكن يُستحب ذلك لما لها من أهمية بالغة في استقرار المجتمع، فهي تحقق مبدأ التكافل، ولها ثواب عظيم عند الله يُكافئ به المُتصدّقين.
فإن الصدقة الجارية أو الوقف «تحرّر إرادة الأمّة» ويجعلها متماسكة وقويّة أمام المشكلات المختلفة.
وهنا يأتي السؤال، هل كل صدقة تُعدّ صدقة جارية؟
بالطبع لا، هناك فرق بين الصدقة والصدقة الجارية:
فالصدقة: هي ما تُمنح لآخر لتُصبح ملكًا لذلك الشخص ليتصرف بها كما يراه مناسبًا له، كأن تُعطي أحد الفقراء: مال أو مأكل أو ملابس أو أدوية وغيرها.
أمّا الصدقة الجارية: فهي التي تلغي الملكية الأصلية وتُصبح وقفًا، أي تنتقل ملكيتها لله تعالى، وتُعطى منافعها وعائداتها باستمرار أو بشكل متكرر على الأشخاص المستفيدين «حسب رغبة صاحب الوقف أو المانح الأصلي»، ولا يُمكن إلغاءها كصدقة جارية في أي حال من الأحوال.
الآن دورك لتساهم بصدقة جارية
إذا كنت تُريد المساهمة بصدقة جارية يمتد أثرها، وقف الوفاء يمنحك فرصة المساهمة من خلال المشاركة والدعم بقيمة «السهم الوقفي».. اضغط هنا لمزيد من التفاصيل.
سهمك الوقفي يمنح المجتمع أملاً جديدًا
وقف الوفاء .. أمّة ترقى .. وأجرٌ يبقى