دور الوقف في المجتمع المدني ومواجهة الكوارث
مقالاتالحضارة الإسلامية والإرث الاجتماعي بكل مقوّماتها ومكوّناتها الدينية والثقافية وغيرها تحتّم على الشعو...
Message was sent to our staff successfullly
الحضارة الإسلامية والإرث الاجتماعي بكل مقوّماتها ومكوّناتها الدينية والثقافية وغيرها تحتّم على الشعوب العربية والإسلامية إعطاء الأولوية لإحياء الذاكرة الاجتماعية لشعوبنا في عمليات استشراف مستقبلنا والاستفادة من كل إمكانياتنا الذاتية، وذلك لا يعني اجترار الماضي والنحيب على الأطلال، أو اعتبار الماضي يحتوي على وصفات سحرية جاهزة للاستعمال بآلياتها السابقة، بل يمكن القول أن عملية الإحياء هذه لها منطلقات مغايرة ترى أن للإنسان مسؤولية زمانية ومكانية في العطاء والإبداع واستثمار كافّة الإمكانيات.
وعلى رأس ما نحتاج حقًّا لإحيائه في الذاكرة الاجتماعية للأمّة الإسلامية والعربية، نظام «الوقف الإسلامي» لما له من أثر بارز في تاريخ الأمّة الإسلامية ودور حقيقي في بناء حضارتها التي امتدّت شرقًا وغربًا.
لذا سنسرد باختصار أبرز منافع الوقف في الأمّة الإسلامية والمجتمع المدني ونُسلّط الضوء على أثر الوقف في بناء مجد الأمّة وحضارتها.
أولًا: الوقف والخدمات الاجتماعية والعلمية:
هذه الخدمات من الأساس النظري والعلمي لفلسفة الوقف جاءت لتنفع المجتمع عامّة، والشرائح الضعيفة فيه بشكل خاص، فإذا استعرضنا النصوص الفقهية الكثيرة في الاقتصاد الإسلامي والمجتمع المتكافل في الإسلام، يستوقفنا هذا الكم الهائل من الاجتهادات والتوصيات والإحكام في مسألة الصدقات ووجه صرفها على أعمال الخير والبر والنفع العام للمجتمع، وفي مقدّمة هذه الصدقات "الزكاة والوقف".
وقد أثبتت التجربة التاريخية الإسلامية أن المجتمع الإسلامي والعربي قادرًا في ظل الاجتماع الإنساني أن ينتج مؤسسات للنفع العام والخدمات الاجتماعية من طبابة وتعليم ومبرّات لليتامى والمعاقين ومستشفيات ومساكن ومطاعم شعبية، وكل هذه الخدمات قامت على المبادرة أو الالتزام بطريقة الصدقة من قبل أهل الدولة أو أهل الثروة والمكلّفين.
وشكّل الوقف أحد أهم موارد هذه الخدمات وإطارًا مؤسسيًا لها، ويعتبر الفقهاء أن الوقف من الصدقات الدائمة غير اللازمة، ويشمل الوقف كثير من أوجه الخدمة للمجتمع:
مثل "وقف المساجد والأراضي ودور العلم والمدارس والمستشفيات والأوقاف على المقابر والقرض الحسن، ووقف البيوت الخاصة للفقراء، والساقيات والمطاعم الشعبية التي يفرّق فيها الطعام للفقراء والمحتاجين، ووقف الآبار في الصحراء للمسافرين والزروع والماشية، ووقف العقارات والأراضي الزراعية التي يُصرف ريعها للمجاهدين أو يُصرف "في حال عجز الدولة" لإصلاح القناطر والجسور، وكثير من الأوقاف كان يصرف ريعه على اللقطاء واليتامى والعميان والعجزة والمقعدين والمجذومين وأصحاب الحالات الخاصة.
وإذا كان الوقف أصلًا صدقة جارية، فإن دوره كان كبيرًا في الحياة الاجتماعية والثقافية وجوانب أخرى لا تقل أهمية في المجتمع الإسلامي، ويحسن أن نتبين مجالاته لتقدير دوره.
وللأوقاف دور بالغ الأهمية في الحياة الثقافية والعلمية حيث كانت مؤسسات التعليم قبل النموذج المعروف لدينا اليوم أهلية في "المساجد والكتاتيب ودور العلم والمكتبات والأربطة والزوايا" ويعتمد الكثير منها على الهِبات، وهناك الوقف على زوايا العلم وعلى كراريس لتدريس الفقه والحيث والتفسير في الجوامع، والأوقاف على خزانات الكتب، واستندت المدارس أساسًا إلى الأوقاف المخصصة لها منذ البداية، كما خصصت أوقاف لدور تعليم الأيتام، وكل ذلك يُشير إلى دور الأوقاف الأساسي في الثقافة والحركة العلمية.
أما الرعاية الصحية والتي تمثلت بإقامة "البيمارستانات" حيث يُعالج المرضى ويُقدم لهم الطعام الفاخر مجانًا، هذا بالإضافة إلى تقديم خدمات طبية إلى بعض المؤسسات والجهات والأرياف بإرسال الأطباء لعلاج المرضى لفترة ما، وأضف إلى ذلك أن هذه المستشفيات كانت متخصصة وكانت تقوم مقام الجامعات في عصرنا لتعليم مهنة الطب، وكان يُنفق على الطلاب والمعلمين من ريع الأوقاف.
وتجاوزت الأوقاف أيضًا إلى بناء الأسرة وتزويج من يرغب بالزواج ولا يجد ذلك سبيلًا لضيق ذات اليد، كما أن الشيوخ والعجز كانت تُصرف لهم مرتبات شهرية، وأوقاف لإنارة الطرق والعناية بها، وللبهائم من هذا الخير نصيب، فقد خُصصت مرافق للعناية بالمريضة والضعيفة والضالة منها.
وهكذا يبدو أن الوقف قد استوعب كافّة مناحي الحياة التي لا تُنفق عليها الدولة أو التي قصّرت الدولة في حقها.
والحقيقة أن هذه الخدمات لا نجدها في وقتنا الحاضر على هذه الشاكلة، فرغم كثرة ما يُطلق عليها "مؤسسات المجتمع المدني" إلا أنها لم تصل إلى نصف هذا المستوى من الخدمة للمجتمع بمختلف أطيافه ولا إلى نصيفه.
تجربة الوقف قد أبرزت مؤسسات التكافل الاجتماعي، بمد يد العون للمعوزين والخطط الآنية لسد الثغرات التي يمكن أن تتخلل البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، لترتبط في المقام الأول بإحدى ركائز الرؤية المعرفية القرآنية من منطلق التفاعل الخلّاق مع سنّة كونية ثابتة لا تتبدل قائمة على أن الإنسان في حاجة أخيه الإنسان لتحقيق المقومات الأساسية للاجتماع البشري.
فالوقف ضرورة اجتماعية أساسها أن العلاقات الإنسانية لا بد لها من التعاضد والتآزر لقيامها وديمومتها، وتاريخنا الإسلامي يحفل بالكثير من النماذج والأمثلة، التي لو وضعت على سلم النفع الخاص والأنا والفردية لما استقام لها قوام.
فالتبرع الشديد الذي شهده التاريخ الإسلامي في مجال الوقفيات والتي تراوحت بين حفظ كرامة الإنسان والرفق بالحيوان إنما عكست في حقيقة الأمر الحصيلة الاجتماعية لعلاقة المسلمين بالدلالات المعرفية للمرجعية القرآنية وما سمحت به من تطعيم للسلوك الفردي والجماعي بحس مرهف حمل الإبداع السلوكي إلى مستويات عالية وهنا من المهم التساؤل حول المغزى الحضاري لأصول السلوك التطوعي في مجتمع ما إلى وفراد وقفيات على حليب الأطفال أو على الطيور المهاجرة لتزويدها بما تقتات حين انتقالها من بلد إلى وخر أو وقفيات على الحيوانات السمينة وغير القادرة على العمل (لتوفير مراعي خاصة بها).
أو على الأواني التي يكسرها الأطفال والخدم في الأسواق حين شراءهم لبعض الأغراض وبالتالي تعويضها
من خلال ريع هذه الوقفيات.
بعد هذا العرض للجانب الاجتماعي يتضح لنا مدى عبقرية هذا النظام وكيف ونه نجح في تعزيز التكافل بين الناس جميعا وكيف حفظ للإنسان كرامته وكيف كان عاملا فاعلا في حفظ التوازن داخل المجتمع ومحافظا عليه قويا متماسكا رغم ما تعرض له النظام السياسي الإسلامي على مر التاريخ من هزات وأزمات أطاحت بدول ورفعت أخرى. أو ما تعرض له من احتلال وجنبي في بعض عصوره مثل احتلال المغول والصليبيين.
ثانيًا: أبرز المشكلات التي يعالجها الوقف:
لا يمكننا إغفال قدرة الوقف على علاج بعض أخطر وأهم المشكلات الاجتماعية التي تواجه المجتمع أي مجتمع ومن أبرزها:
1- ظاهرة البطالة: البطالة على اختلاف إشكالها وصورها ظاهرة تؤرق شعوب كثيرة لا سيما الفقيرة منها والتي للأسف تدخل فيها معظم الشعوب العربية والإسلامية، ونظام الوقف يسهم بشكل فاعل في الحد من هذه الظاهرة من خلال ما يوفره من فرص عمل حقيقية تمكن من يستفيد منها من إعالة عائلته والإنفاق عليها، فوجود مؤسسات وقفية يعني الحاجة إلى من يقوم على إدارتها وإلى أيدي عاملة في أقسامها الإنتاجية والخدمية وهكذا.
2- القضاء على ظواهر الجهل والأمية بواسطة المؤسسات التعليمية التي يرعاها الوقف ويدير شؤونها.
3- محاربة الفقر والعوز الذي يصيب فئات من المجتمع بسبب ظروف قاهرة تلم بها، نتيجة عجز أو يُتم أو نكبات طبيعية أو غير ذلك.
وفي المحصلة نرى أن نظام الوقف لاعب أساسي في حفظ وتوفير السلم والأمن الاجتماعي، وذلك من خلال ما توفره مؤسسة الوقف من حياة كريمة لأبناء المجتمع الأقل حظا من مأكل ومشرب وملبس وفرص للتعليم والعمل والرعاية الصحية المناسبة وغيرها.
مما له الأثر الأكبر على استقرار نفوسهم ورضاهم عن مجتمعهم، وكذلك ما تعززه قيم الإنفاق وحب الخير والاهتمام بالآخرين التي تتولد في نفوس الأكثر حظا وثروة، فتنصهر هذه المعاني في بوتقة التآلف والتكافل والمحبة فيعم الأمن ويقوى المجتمع ويتحصن ضد كل هذه الظواهر التي قد تطل برأسها بين الحين والآخر.
ونحن في وقف الوفاء نعمل على أن نكون نموذجًا يُحتذى به كمؤسسة وقفية ذات دور فعّال في الأمّة الإسلامية، تخدم المجتمع الإسلامي بكل ما تملكه من طاقات وموارد.
لذا ندعوكم للمشاركة في التعرّف على مشروعاتنا الوقفية وتقديم دعمكم لها قدر استطاعتكم.
وقف الوفاء أمّةٌ ترقى وأجرٌ يبقى